وقد أوضحت الدراسة
ان العالم شهد في السنوات الأخيرة حمى الإحصائيات الرقمية في المجالات المختلفة،
ومن ضمن ذلك تأتي الإحصائيات الخاصة بالبحث العلمي، ولقد
سعينا الى عمل مقارنة في البحث العلمي بين ايران اسرائيل، مع القاء الضوء على ما
هو لدينا في فلسطين.
ومن
خلال قراءاتنا لما ورد فيها من مفارقات وجدنا ان هنالك تفاوت كبير بين العرب من
جهة واسرائيل وايران من جهة اخرى, لقد بلغ عدد سكان ايران عام 2014 ما يقارب 77.45
مليون نسمة, في حين بلغ عدد سكان فلسطين ما يقارب 5.8 مليون نسمة, وبلغ عدد سكان
اسرائيل 8.06 مليون نسمة, وتعتبر امريكيا من اكثر الدول انفاقا على البحث العلمي وقد
وتصدرت المركز الاول, تحتل إسرائيل
المركز18 عالميا, وايران المركز 27 عالميا.
والناظر الى واقع التمويل العربي للبحث
العلمي يجد انه كارثي مقارنة مع المعدل العالمي للإنفاق على البحث العلمي، وتختلف الأقطار
العربية فيما بينها في الإنفاق على البحث العلمي، علما إن الإنفاق على البحث
العلمي للدول العربية مجتمعة لا يعادل نصف ما تنفقه إسرائيل لوحدها.
وقد انفقت
إسرائيل عام 2010 ما مقداره 4.7% من إنتاجها القومي على البحث العلمي ما يعادل 8
مليار دولار أمريكي، ويمثل هذا أعلى نسبة انفاق في العالم لعام 2010، بينما انفقت
الدول العربية للعام ذاته ما مقداره 0.2% من دخلها القومي ، في حين كانت
نسبة الإنفاق للعام في فلسطين 0.02%، اما ايران فقد انفقت 2.6% من انتاجها القومي
على البحث العلمي عام 2010.
أما بالنسبة لنصيب الفرد من الانفاق على البحث العلمي فقد احتلت
إسرائيل المرتبة الاولى عالميا بواقع 1272.8 دولار بما نسبته 4.7% للعام
2010، في حين ان الدول العربية قد جاءت مئة مرة اقل من إسرائيل من حيث نصيب الفرد
من الانفاق على البحث العلمي، حيث انفقت ما معدله 14.7 دولار سنويا على الفرد
للعام ذاته أي بما نسبته 0.1% ، وكان نصيب الفرد في فلسطين
عام 2010 فقط 2.9$، بما نسبته 0.3%.
وحسب
تقرير التنافسية العالمي(GTCI) للعام 2014، فقد احتلت اسرائيل على المرتبة
الاولى على مستوى العالم في جودة مؤسسات البحث العلمي، في حين حصلت ايران على الترتيب
40 على مستوي العالم، كما حصلت اسرائيل على الترتيب الثالث على مستوى العالم في
مجال نشر الابحاث العلمية، وحصلت ايران على الترتيب 35 على مستوى العالم.
وفي عام 2006 وحسب تقرير منظمة الامم
المتحدة للعلوم والتربية والثقافة (اليونسكو) فان اسرائيل ألفت 6866 كتب، بينما الفت
فلسطين 114 كتاب، وكان نصيب اكبر دولة عربية للعام ذاته تأليفا للكتب هي لبنان بما
مجموعه 3686 كتاب.
اما بالنسبة لبراءات الاختراع، فهي المؤشر الأكثر تباينا بين العرب
وإسرائيل، فقد سجلت إسرائيل ما مقداره 16805 براءة اختراع عام 2011 حب تقرير منظمة
الامم المتحدة للعلوم والتربية والثقافة (اليونسكو)،
بينما سجل العرب مجتمعين حوالي 836 براءة اختراع لغاية 2011، وهو يمثل 5% من عدد
براءات الاختراع المسجلة في إسرائيل.
هذه الأرقام والمعطيات ليست فقط دليلا على
ضآلة إنتاج البحث العلمي العربي وإنما أيضا تدني كفاءة الباحثين العرب بالمقارنة
مع الباحثين من الدول المتقدمة وإسرائيل، فقد أنفقت إسرائيل حوالي ضعف ما انفق
العرب على البحث العلمي ولكنها أنتجت في السنة الماضية 20 ضعف ما أنتج العلماء
العرب مجتمعين من مخترعات، فلو وزعنا عدد المخترعات العربية على عدد الباحثين لكان
نصيب كل اختراع ما مقداره 1,759 باحثا، أما في حالة إسرائيل فقد احتاج الاختراع
الواحد إلى جهود حوالي 24 باحثا بالمتوسط، أي أن كفاءة الباحث الإسرائيلي أكثر من
سبعين ضعفا لكفاءة الباحث العربي.
ومن خلال مراجعتنا لهذه الأرقام والحقائق تعزوا
هذه الفرو قات والحقائق إلى عدم قناعة معظم الحكومات العربية بجدوى الأبحاث
العلمية في رفع مستوى الإنتاجية، والدخل القومي، ودخل الفرد، وعزوف القطاع الخاص
بشكل شبه كامل عن إجراء البحوث العلمية، وعدم الإيمان أو الثقة بجدوى البحث العلمي
في دعم الإنتاج وتطوير الاقتصاد والحياة الاجتماعية، وضعف دخل الباحث مقارنة بغيره
ممن يعملون في التجارة أو إدارة الأعمال أو في الصناعة أو الخدمات، وعدم توافر
التجهيزات والوسائل العلمية الجيدة والمتطورة في مراكز البحوث والجامعات في أكثر
الدول العربية، كما أن المتوفر منها لا يفاد منه بالشكل المطلوب أو المتوخى، وعدم
وجود استراتيجيات أو سياسات لمعظم الدول العربية في مجال البحث العلمي، بالإضافة إلى
هجرة العلماء العرب إلى خارج أوطانهم إلى الدول المتقدمة.
وينظر المجتمع العربي الحالي نظرة لا تليق
بالبحث العلمي من حيث أولويته على كثير من الأنشطة والمجالات، وربما يتعلق ذلك
بالتنشئة الاجتاعية التي أكسبت الجماهير العربية الحالية هذه النظرة السالبة نحو
البحث العلمي، وأصبح الناس غير مدركين لخطورة تدهور البحث العلمي العربي، وتأخره
عن ركب الحضارة
إلا إن المجتمعات في الدول المتقدمة تدعم
المؤسسات البحثية ماديًا ومعنويًا، ولا يمكن أن تبخل عليها بالمال أو الإمكانات،
أو حتى الدعم اللفظي، حتى إنه في كثير من الأحيان تنظم المسيرات والتجمعات مطالبة
الحكومة بالإنفاق بسخاء لإجراء المزيد من البحوث العلمية في مجالات التنمية التي
ينشدها الوطن.
أخيراً.. تعتبر
الأبحاث والدراسات المعمقة من أهم الركائز التي يعتمد عليها السياسيون ومتخذو
القرارات في إسرائيل في رسم وتخطيط سياستهم، واتخاذ قراراتهم، انطلاقاً من
قناعتهم بأن دراسة القضايا والمعضلات السياسية هي المحور الأول في رسم وبناء
الإستراتيجيات في كافة المجالات، لما تمثله المعرفة والعلم عند متخذي القرارات، في
حين يغيب دور الأبحاث في الدول العربية عامة وفلسطين خاصة في صناعة القرار.
لذلك يجب على
حكومتنا الفاضلة توسيع هامش الحرية الأكاديمية الكافية للباحثين، والتخلي قدر
الإمكان عن مظاهر البيروقراطية والمشكلات الإدارية والتنظيمية،و محاربة الفساد المالي والإداري في مؤسسات البحث العلمي، الإسراع
الدائم في عملية نقل المعلومة التقنية من الدول المتقدمة إليها، و إحداث حراك دائم في مراكز البحوث الإسرائيلية، بحيث لا تبقى تحت
قيادات قديمة مترهلة، غير مدركة لأبعاد التقدم العالمي في ميادين البحث العلمي، لا
سميا في العلوم التكنولوجية، مواصلة التدريب المستمر للباحثين الجدد، وعدم
تهميشهم، ومن ثم تهجيرهم. ومن الجدير ذكره ان هذه
الدراسة قام باعدادها مجموعة من الباحثين من جامعة القدس وهم السيد رشاد ابو حميد مدير
مركز نرسان الثقافي والباحث رافع مضية من مدينة حلحول والسيد نادي الجعبري والباحثة
كوثر ابو جلغيف من وزارة العمل الفلسطيني والباحث من مدينة اريحا راني الغروف
وباشراف الدكتور اياد خليفة من جامعة القدس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق